وأما ما ذكره الأزدي، فالأزدي نفسه متَّهم، ولا ندري مع ذلك ما سنده إلى ابن المديني. وهبْ أن ذلك صحَّ، فلا يدفع رواية ولد ابن المديني عن أبيه، فإن كثيرًا من الأئمة تختلف أقوالهم في الرجل توثيقًا وجرحًا، إما لتغيير الاجتهاد، وإما لأن إحدى الكلمتين أريد بها خلاف ما يظهر منها، وإما لغير ذلك، كأن يقال هنا: كان دعاة المحنة حنفية، وكانوا ينسبون مقالتهم التي امتحنوا الناسَ فيها إلى أبي حنيفة، ويدعون إلى مذهبه في الفقه كما مرت الإشارة إلى طرف منه في ترجمة سفيان الثوري (١)، فكأنهم استكرهوا ابنَ المديني على أن يثني على أبي حنيفة ويوثقه، فاضطُر إلى أن يوافقهم. وقد يكون ورَّى، فقصد بكلمة:«ثقة» معنى أنه لم يكن يكذب، ثم لما سأله ابنه أخبره بما يعتقده.
وأما استبعاد أن يخبر بِشْر وهو من أتباع أبي حنيفة في الفقه بتلك الرؤيا، فلا يكفي لدفع الرواية إذا صح سندها. فقد يعترف الرجل على نفسه، فإذا أخبر بذلك عنه ثقة قُبِل، فما الظن بما يخبر به عن أستاذه أو أستاذ أستاذه؟ وقد يكون بِشْر مع متابعته لأبي حنيفة في الفقه يخالف في بعض العقائد، كما روي عن أبي يوسف أنه قال:«إنما كان مدرسًا، فما كان من قوله حسنًا قبلناه، وما كان قبيحًا تركناه» تراه في «التأنيب»(ص ٤٦). وقد يكون بِشْر يرى أن تلك الرؤيا أضغاث أحلام، فلا يقيم لها وزنًا، وإنما أخبر بها تعجّبًا. وقد يكون يرى أن لها تأويلًا تكون بحسبه فضيلة وبشارة لأبي حنيفة وأصحابه. فيتأول السواد بالسؤدد، وصحبة القسيسين بالإشارة إلى