الإجماعية التي لم يخالفها الشافعي أولًا ولا آخرًا؛ وكثير من المسائل التي لم يزل الشافعيُّ موافقًا فيها لمالك، لأن عامة المسائل التي رجع عنها في الجديد كان في القديم موافقًا فيها لمالك؛ وكثير من المسائل التي كان في القديم موافقًا فيها للحنفية واستمرَّ على ذلك في الجديد. فبأيّ دين أم بأيّ عقل يقول الأستاذ:«رجع عما حواه كتابُ «الحجة» كله»؟ ! ! !
أما أمر الشافعي بغسل كتاب «الحجة» وأن لا يُرْوَى عنه، إن صح ذلك، فإنما هو ــ كما يعلم الأستاذ ــ لأنه كان فيه مسائل رجع عنها الشافعي، ولأنه لم يكن تهيّأ له إتقانُ تهذيبه وترتيبه واستيفاء الحجج وإيضاح البيان فيه، وعَلِم أن جميع ما فيه عدا المسائل التي رجع عنها قد ضمَّنه كتبه الجديدة، مع سلامتها من تلك النقائص، وزيادتها لحِجاج وأصول وفروع لا تحصى، فلم ير لبقائه وروايته عنه فائدةً، بل فيه مضرّة ما، كأن يغترَّ بعض أتباعه ببعض المسائل التي رجع عنها، أو يغترَّ مُخالِفُه بما فيه من تقصير في الاحتجاج في بعض مسائل الخلاف، فيتوهّم أنه لا حجة للشافعي إلا ما في ذلك الكتاب. وهذا أمر بغاية الوضوح يخجل صاحبُ العلم من شرحه، ولكن ماذا نصنع بالأستاذ؟ يحاول التلبيس على الجهّال، فيضطرنا إلى أن نشرح القضية كأننا نشرحها لأجهل الناس، ويضيع وقته ووقت غيره، كأنه لا يوقن أنه مسؤول عن عمره فيم أفناه؟
وأما الأمر الثاني، فقد ذكر محققو الشافعية أن ذلك إنما وقع للشافعي في ستة عشر أو سبعة عشر موضعًا، فقد يكون الشافعي يرى رجحان أحد القولين، وإنما لم ينصّ على ذلك ليلجئ أصحابَه إلى النظر والتدبّر، ليكون