للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك أعْوَن لهم على تحصيل مَلَكة الاجتهاد التي يتمكَّنون بها من النظر لأنفسهم فيما ذكره الشافعي وفيما لم يذكره، وهذا كان مقصوده الأعظم من تأليف الكتب. قال المزني أول «مختصره» (١): «اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى لأقرِّبه على من أراده، مع إعلامِيه نهيَه عن تقليده وتقليد غيره، لينظر [١/ ٤١٩] فيه لدينه ويحتاط لنفسه». ويقرب من هذا ما تراه في كتب التعليم من إيراد عدة أسئلة بدون حلِّها تمرينًا للطالب لِيُعمِل فكره في حلِّها.

وقد لا يكون تمكَّن في الوقت من استيفاء النظر، ولم تكن القضية واقعة حتى يلزمه وقفُ نفسه عليها حتى يستوفي النظر، فتَرَكها واشتغل بغيرها، ولم يستحل أن يقول شيئًا قبل استيفاء النظر، فيقع في مثل ما ذكره الأستاذ في «التأنيب» (ص ١٢٣) عن حفص بن غياث قال: «كنت أجلس إلى أبي حنيفة فأسمعه يُسأل عن مسألة في اليوم الواحد فيفتي فيها بخمسة أقاويل»!

وأما الأمر الثالث، فلا ريب أن في مذهب الشافعي فروعًا يتعسّر تطبيقها على أصوله، ولكن ما فيه من هذا القبيل لا يكادُ يُذكر في جانب ما في مذهب أبي حنيفة. وكلُّ عارفٍ بفقه المذهبين وأصولهما يعرف الحقيقة، وليس هذا موضع بسطها، ومن اطلع على قسم الفقهيات (٢) من كتابنا هذا اتضح له الأمر.


(١) (ص ١).
(٢) في المجلد الثاني (ص ٣ - ٢٨١).