وكذلك ما زعمه الكوثري من حيرة فقهاء الشافعية واضطرابهم، ليس بشيءٍ بالنسبة إلى ما وقع لفقهاء الحنفية، ومن شاء فليطالع كتب الفقه في المذهبين، بل يكفيه أن ينظر أول مسألة من قسم الفقهيات، وهي مسألة ضرورية من مبادئ الطهارة، ارتبك فيها الحنيفة أشد الارتباك. وما ذكره من كتب ظاهر الرواية عندهم ليس بشيء، لأن كتب ظاهر الرواية يقع فيها الاختلاف.
وأما كتاب ابن عبد الحكم، فلم يعترف الشافعية بصدقه، كما اعترف الكوثري وغيره بصدق كلمة الشافعي كما مرّ. والعلمُ باتفاق الصحابة والتابعين واختلافهم لا يستلزم جودةَ النظر وصحةَ الفهم للترجيح فيما اختلفوا فيه، واستنباطِ حكمِ ما لم يُنقل عنهم فيه شيء. والأستاذ وكل ذي معرفة يتحقق أن البون في هذا بين الشافعي وابن عبد الحكم بعيدٌ جدًّا، وإن كان الشافعي غير معصوم عن الخطأ، وابن عبد الحكم غير محجوب البتة عن الإصابة.
وأما ما نُقل عن الشافعي أنه قال:«الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة» فلم يتواتر كما زعم الأستاذ. ولو شئنا لقلنا، ولكننا نقتصر هنا على ما يعترف به الأستاذ، وهو أن أبا حنيفة إذا عرف الأصلَ أحسنَ في التفريع وأجاد، وإذا لم يعرف الأصل أو لم يأخذ به وقع في التخليط كما وقع له في الكتب التي تقدم ذكرها، ويقول الأستاذ: إنها لا تُجاوز الخمسة، فثناءُ [١/ ٤٢٠] الشافعي بحسب الضرب الأول، وانتقادُه بحسب الضرب الثاني. وأما ما يتعلق بمحمد بن الحسن، فيُعْلَم [ما] فيه مما يأتي.