للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«سألت سفيان عن حديث عاصم في المرتدة، فأنكره وقال: ليس من حديثي».

وقد أعلَّ ابن التركماني بعض الأحاديث بأن سفيان الثوري مدلس، وتغافل عن ذلك هنا مصرًّا على أن الثوري قد تابع أبا حنيفة. وإذا تسامح العالم نفسه مثل هذه المسامحة، فالجاهل خير [١/ ٤٢٦] منه بألف درجة! والمقصود هنا بيان كرم أخلاق الشافعي رحمه الله.

ومع مراعاة الشافعي للحنفية إلى الحدّ الذي رأيتَ، وإطلاقِه الكلمة التي تكاد تكون رأس مالهم: «الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة»، ومجاملةِ أصحابه لهم حتى ألَّف جماعة منهم في مناقب الحنفية؛ كان جزاؤه من الأستاذ ما تقدَّم.

فأما الخطيب، فإنما سرد أقوال الناس في الغضِّ، كما ساق ما روي في المناقب، وذلك واجبه من جهة أنه مؤرخ ومحدث. ومع ذلك فأعرض سائر الشافعية عما نقله الخطيب، بل منهم من عارضه، ومنهم من ردَّ عليه، كما حكاه الأستاذ. ولما تعرض للرد عليه المَلِك عيسى ومأجوره السبط ــ وفي ردِّهما ما فيه من التهافت ــ لم يعرض لهما أحد من الشافعية، بل استمرُّوا على المجاملة. وكذلك لما عُثِر على كتاب «التعليم» المنسوب إلى مَنْ لم يُخْلَق، كما تقدم (١)، وفيه من الكذب والزور من الطعن في مالك والشافعي ما فيه، لم يلتفت إليه الشافعية، خلا أن واحدًا منهم (٢) ذكر أن مسعود بن


(١) (ص ٦٦٤ - ٦٦٦).
(٢) هو الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» كما سلف.