للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: ابن الجنيد هنا راوٍ لا ناظر، وباب الرواية اليقين. فإن كان قد يكفي الظن، فذاك الظن الجازم، وآيتُه أن يجزم الراوي الثقة. فأما قوله: «أظن» مثلًا، فإنه يصدق بظن ما، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: ١٢] فما بالك بقوله: «فكأنه ضعَّفه». وأصل كلمة «كأن» للتشبيه، والتشبيه يستلزم كون المشبَّه غير المشبه به. فأما معناها الثاني فعبَّر عنه في «مغني اللبيب» (١) بقوله: «الشك والظن» فدل ذلك على أنها دون «أظنه». وفي ترجمة الحسن بن موسى الأشيب من «مقدمة الفتح» (٢) مثل هذه الكلمة «كأنه ضعيف»، فدفعها الحافظ ابن حجر بقوله: «هذا ظن لا تقوم به حجة».

هذا وترددُ ابن الجنيد يحتمل وجهين أظهرهما: أن يكون جرى من ابن معين عندما سئل عن مؤمّل ما يُشعر بأنه لم يُعجبه مؤمل. ولا ندري ما الذي جرى منه وما قدرُ دلالته؟ على أنهم مما يقولون: «ضعَّفه فلان» مع أن الواقع من فلان تليين يسير، كما تقدمت الإشارة إليه في القاعدة السادسة من قسم القواعد (٣)، فما بالك بقوله: «فكأنه ضعَّفه»؟ وإنما ينقل أهل العلم أمثال هذه الكلمة لاحتمال أن يوجد تضعيف صريح، فيكون مما يعتضد به. فأما هنا فلا يوجد إلا التوثيق. نعم، الثقات يتفاوتون في درجات التثبت، ويظهر أن مؤملًا لم يكن في أعالي [١/ ٤٨٧] الدرجات ففي الرواة من هو أثبت منه،


(١) (ص ٢٥٣).
(٢) (ص ٣٩٧) والعبارة فيه: «كأنه ضعّفه».
(٣) (١/ ٨٧ وما بعدها).