للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حال، فهذا وهم يسير قد رجع عنه هشام.

بقي ما قيل: إن هشامًا كان يدلس، قال يعقوب بن سفيان: «ثقة ثبت لم يُنكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده. والذي نرى أن هشامًا تسهَّل لأهل العراق، إنه كان لا يحدِّث عن أبيه إلَّا بما سمعه منه، فكأنَّ تسهُّله أنه أرسل عن أبيه عما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه». وجاء عن ابن خراش ما يُفهم منه هذا المعنى، وقد تُفهم منه زيادة لا دليل عليها فلا تُقبل من ابن خراش. وعدَّه ابن حجر في الطبقة الأولى من المدلسين (١)، وهي طبقة من لم يوصف بذلك إلا نادرًا.

والتحقيق أنه لم يدلِّس قط، ولكن كان ربما يحدِّث بالحديث عن فلان عن أبيه، فيسمع الناس منه ذلك ويعرفونه، ثم ربما ذكر ذلك الحديث بلفظ «قال أبي» أو نحوه اتكالًا على [١/ ٥٠٤] أنه قد سبق منه بيانُ أنه إنما سمعه من فلان عن أبيه، فيغتنم بعض الناس حكايته الثانية، فيروي ذاك الحديث عنه عن أبيه لما فيه من صورة العلوّ، مع الاتكال على أن الناس قد سمعوا روايته الأولى وحفظوها. وفي مقدمة «صحيح مسلم» (٢) ما يصرِّح بأن هشامًا غير مدلِّس، وفيه أن غير المدلس قد يُرسل، وذكر لذلك أمثلةً منها حديث رواه جماعة عن هشام: «أخبرني أخي عثمان بن عروة عن عروة». ورواه آخرون عن هشام عن أبيه. ومع هذا فإنما اتفق لهشام مثل ذلك نادرًا،


(١) «تعريف أهل التقديس» (ص ٩٤).
(٢) (١/ ٣٠ - ٣١).