للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحابه بفعله. ولم يَخْشَ أن يؤدي ذلك إلى إماتة الأخذ بالركب، لعلمه أن مشروعية ذلك معلومة بين الناس. وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قصَد بيان الجواز، فترك [ما هو في الأصل مندوب، أو فعلَ] (١) ما هو في الأصل مكروه؛ لا يخبر بقصده، بل يَكِلُ الناسَ إلى ما قد عرفوه من الدليل على ما هو الأصل في ذلك. وكذلك لم يُنقل [٢/ ٢٤] أن أبا بكر وعمر وابن عباس كانوا حين يتركون التضحية يبِّينون قصدهم، بل كانوا يتكلون على ما قد عرفه الناس من مشروعيتها.

وأما وقوف إمام الاثنين بينهما، فلعلّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعله مرةً، ثم تقدَّم. فعلم ابن مسعود الأمرين، ولكنه رأى أن الأول لم يُنسخ، وأن كلا الأمرين مشروع وإن كان التقدم أفضل. ثم لما رأى الناس أطبقوا على التقدُّم أحبَّ إحياء تلك السنة.

وأما تركُ الرفع في غير أول الصلاة، فإن ثبت عن ابن مسعود فالظاهر أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تَرَكه، إما في أول الإسلام بأن يكون كان أولًا يقتصر على الرفع أول الصلاة، ثم رفع في بقية المواضع. وإما بعد ذلك بأن يكون ربما ترك الرفع في غير الموضع الأول لبيان أنه ليس في مرتبته، فإن الرفع أولَ الصلاة آكد، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبه. فلما رأى ابن مسعود أن الناس قد أطبقوا على المواظبة على الرفع في بقية المواضع مواظبتَهم على الرفع أولَ الصلاة تَرَكه لمصلحة البيان. وحالُ ذلك عنده دون حال التطبيق ووقوف إمام الاثنين بينهما، بدليل أنه عقِبَ تلك الصلاة أمرَ بهذين، ولم يَعْرِض للرفع كما مرَّ في حديث مسلم.


(١) زيادة يقتضيها السياق وبها يستقيم الكلام، وستأتي هذه العبارة بعد صفحتين.