وربما يقال: قد يكون ابن مسعود عَلِم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أولًا يطبِّق ولا يرفع عند الركوع والرجوع منه، ثم ترك التطبيق ورفع، فرأى ابن مسعود أن الرفع بدل من التطبيق. فأما الأخذ بالرُّكَب، فقد يكون رخصةً فقط. فلما بدا لابن مسعود إحياء التطبيق طبَّق ولم يرفع، لئلا يجمع بين البدل والمبدل. والله أعلم.
فهذا غاية ما يقتضيه حسنُ الظن بابن مسعود، وهو أهل أن يُحسَن الظنُّ به. وعلى كل حال، فقد ثبت الرفع قطعًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو فعل عباديٌّ متعلق بالصلاة، ولا يُعقَل أن يكون الفعل مندوبًا مطلقًا، ويكون الترك أيضًا مندوبًا مطلقًا، فما بقي إلا احتمال النسخ. والنسخ لا يثبت بمثل ما روي عن ابن مسعود، مع ما فيه من الكلام وما يطرقه من الاحتمال. وقد ترك الصحابة في عهد عثمان تكبيرات الانتقال أو الجهر بها، واستمرَّ ذلك حتى ظن بعضُ التابعين أن ذلك غير مشروع، كما يأتي. ولا يظهر للترك سبب إلا الترخُّص في ترك المندوب، ونحن لم نظن بابن مسعود في ترك الرفع ذلك، ولا ما هو أبعدُ عن الملامة كالنسيان والذهول؛ [٢/ ٢٥] وإنما ظننا به قصدَ البيان وتثبيتَ الحق.
فإن قيل: فقد يظهر أن ابن مسعود واظب على الترك، ورضي لأصحابه المواظبة عليه.
قلت: فكذلك في التطبيق ووقوف إمام الاثنين بينهما، بل هو في هذين آكد؛ فإنه عَقِبَ تلك الصلاة أمَرَهم بهما ولم يَعرِضْ لترك الرفع، كما مرَّ في حديث مسلم. والحق أن غاية ما في الأمر أن يكون رضي لهم المواظبة مدةً ليكون ذلك أوفى بما قصده من البيان، كما واظب أبو بكر وعُمر وابن عباس