للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكيف أن يدل على أنه لم يأخذ بالحديث!

وأنا أذكر جماعةً من العلماء وغيرهم صَحِبتُهم مدةً، وصلَّيتُ معهم، وأتذكر الآن هل أذكر رفعَهم عند الركوع أو تركَهم الرفع، فلا أذكر؛ ومنهم مَن عهدي به قريب. وذلك أنني لم أتحرَّ أن أتفقد صلاتهم. ولكني تحرَّيتُ ذلك في جماعة، فأنا الآن أذكر بعد طول العهد.

ومجاهد لم يقل: رأيت ابن عمر لا يرفع، وإنما قال ــ إن صحت الحكاية عنه ــ: "ما رأيت ابن عمر يرفع ... ". وهذا يُشعر بأنه لا ينفي أن يكون ابن عمر رَفَع ولم يره مجاهد. ومذهب مجاهد الرفع كما ذكره البخاري وغيره (١). فإن صح عنه ذاك القول فكأنه لم يتفق له أنْ يتحرَّى تفقُّد ابن عمر في رفعه، وإنما اتفق أنه شاهده رَفَع في أول الصلاة، ثم اشتغل مجاهد بصلاة نفسه.

وقد صح عن ابن عمر أنه كان ربما يرفع رفعًا تامًّا، وربما يتجوَّز. ذكر مالك في "الموطأ" (٢) عن نافع "أن ابن عمر كان إذا ابتدأ الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك". وفي "سنن أبي داود" (٣) عن ابن جريج قال: "قلت لنافع: أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهن؟ قال: لا، سواء. قلت: أشِرْ لي، فأشار إلى الثديَيْن وأسفل من ذلك". وصح عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه الرفع حذوَ المنكبين في


(١) انظر "جزء رفع اليدين" (ص ١٥٠) و"معرفة السنن والآثار" (٢/ ٤٢٨).
(٢) (١/ ٧٧).
(٣) رقم (٧٤١).