للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السراويلات ولا البرانس ولا الخِفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فَلْيلبسِ الخفَّين وَلْيقطَعْهما أسفلَ من الكعبين ... ". ويؤخذ منه من بابِ أولى الإذنُ في السراويل لمن لم يجد إزارًا، لأن الحاجة إلى ستر أسفل البدن أشد، وكونه مطلوبًا شرعًا أظهر. ويبقى النظر في القطع، فقد يقال: كما أمر بقطع أعلى الخفين، فكذلك ينبغي قطع ما تحت الركبتين من السراويل. وقد يقال: إنما يقطع ما تحت أنصاف الساقين، لأن ما فوق ذلك إلى الركبة مشروع سترُه أيضًا وإنْ لم يجب، بخلاف ستر الكعبين وما فوقهما. وقد يقال: لا يتعين القطع، بل الأولى العطفُ والتثبيتُ بالخياطة، لأن ذلك محصِّل للمقصود بدون إفساد. ولو كان يتأتَّى نحو ذلك في الخفَّين لقلنا به فيهما أيضًا. فأما فَتْق السراويل ثم تلفيقه بالخياطة حتى يكون إزارًا، فقد دلَّ على عدم لزومه اكتفاءُ الحديث بما اكتفى به في الخفين، ولم يشترط تقطيعهما حتى يصيرا نعلين.

الحديث الثاني: حديث ابن عباس في "الصحيحين" (١) وغيرهما: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات: "مَن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل، ومَن لم يجد نعلين فليلبس خفين". ففي هذا الحديث النصُّ على السراويل والخفين معًا، ولم يذكر القطع. فمن أهل العلم مَن أخذ به على إطلاقه، وقال: إنه ناسخٌ للأمر بقطع الخفين، لأن حديث ابن عباس متأخر. ومنهم من حمل المطلق على المقيد، فقال بقطع الخفين. فعلى الأول يكون عدم وجوب قطع السراويل أولى. أما على الثاني، فقد يتمسك فيه بالإطلاق، وقد يقال: بل يكون حكمه ما تقدم في الكلام على الحديث الأول.


(١) البخاري (١٨٤١، ١٨٤٣) ومسلم (١١٧٨).