وملاعبتَه امرأتَه، فإنهن من الحق" (١). ومعلوم أنَّ فيما يلهو به الرجل غير هذه الثلاث ما هو مباح إجماعًا.
[٢/ ٤٩] فأما ما أُكِل على وجه مكارم الأخلاق، فإنه إذا عُمِل فيه بالمشروع لم يكن على كلا المعنيين من الأكل بالباطل. وذلك أن الباذل قد يقصد مكافأة المبذول له على إحسان سابق، وقد يرجو عوضًا مستقبلًا، إما مالًا وإما منفعةً، وأقلُّ ذلك: الثناء. والأكلُ في مقابل إحسان سابق أكلٌ بأمر متحقِّق. والمشروع للمبذول له على رجاء مستقبَل أن يقبل عازمًا على المكافأة فيكون بمنزلة من يقترض عازمًا على أن يقضي. وإنما كان بعض الصحابة أولًا يتورعون عن الأكل في بيوت أقاربهم وأصدقائهم خشيةَ أن لا يتيسَّر لهم المكافأة المرضية. فبيَّن الله تعالى لهم في آية النور أنه لا حرج في الأكل، يريد ــ والله أعلم ــ: ما دام ذلك جاريًا على المعروف. والمعروف أن الناس يكرم بعضهم بعضًا، ويكافئ بعضهم بعضًا بالمعروف، فمن أكل عازمًا على المكافأة بحسب ما هو معروف بين أهل المروءات، فلم يأكل بما لا تحقُّق له. نعم لو فرضنا أن رجلًا غنيًّا لئيمًا اعتاد أن يتردد على بيوت أقاربه وأصدقائه ليأكل عندهم غيرَ عازمٍ على المكافأة المعروفة، كان هذا ــ والله أعلم ــ داخلًا في الباطل على كلا المعنيين.
وإذا تدبرتَ علمتَ أنه على المعنى الثاني ليس هناك نسخ، وإنما هو بيان لدفع ما توهَّمه أولئك المتحرِّجون. وقد عُرِف عن السلف أنهم ربما يطلقون النسخ على مطلق البيان، فهذا ــ والله أعلم ــ من ذاك. وبهذا كله
(١) أخرجه الترمذي (١٦٣٧) من حديث عقبة بن عامر، وقال: هذا حديث حسن صحيح.