وهذا مذهب الشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: يقع مطلقًا. ولا يُعلم له سلف في ذلك.
فأما الآية فاحتج بها حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس، ثم زين العابدين علي بن الحسين (١)، ثم البخاري على عدم الوقوع مطلقًا. وزعم بعضهم كالأستاذ أنها لا تدل إلا على أنه لا يقع الطلاق على المرأة قبل نكاحها. فأما من قال:"إن تزوجتُ فلانةَ فهي طالق"، فلا تدل الآية على عدم وقوعه؛ لأنه إذا وقع فإنما يقع بعد النكاح.
وأقول: يقال: "طَلَقَتْ (بفتح اللام مخففة) فلانةُ" أي انحلَّت عقدةُ نكاحها بقول من الزوج. ويقال:"طلَّق فلان امرأته" أي جعلها تطلُق، كما يقال سرَّحها أي جعلها تسرح، وسيَّرها: جعلها تسير، وغير ذلك. فطلاق الرجل يتضمن أمرين: الأول: قوله الخاص. الثاني: وقوع الأثر على المرأة، فتنحلُّ به عقدةُ نكاحها.
وإذا قيل:"طلَّق فلان امرأته اليوم" فالمتبادر أن قوله وانحلال العقدة وقعا ذاك اليوم، فهذا هو الحقيقة. فمن قال لامرأته يوم السبت:"إذا جاء يوم الجمعة فأنتِ طالق" لم يصدُق على وجه الحقيقة أن يقال قبل يوم الجمعة: إنه طلَّق، ولا أن يقال: طلَّق يومَ السبت، ولا طلَّق قبل يوم الجمعة؛ ولكنه يقال بعد مجيء يوم الجمعة: إنه طلَّق. فإذا أُريد التفصيل قيل: علَّق طلاقَها يوم السبت وطَلَقَتْ يوم الجمعة.
ونظير ذلك: إذا جَرَح رجلٌ آخرَ يوم السبت جراحةً مات منها يوم
(١) أخرجه عنه عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" (١٢/ ٧٩).