علمتَ أنه مرجوح من جهة الرواية. وهكذا هو مرجوح من جهة النظر لما يأتي. وعلى فرض أنه لا يتبين أنه مرجوح، فلا يصحُّ التمسكُ بما اختص به بعض الروايات وخالفها غيرها؛ لأن الاختلاف إنما جاء [٢/ ١٤٠] من جهة الرواية بالمعنى، فلا يصح التشبث بواحدة منها حتى يترجح أنها باللفظ الأصلي أو موافقة له.
ومع هذا، فاللفظ الواقع في الوجه الثاني لا يتعين حمله على ما زعمه صاحب هذا المسلك، فإنه يحتمل أن يكون المراد أن السارق لم يكن يُقطَع فيما دون ثمن ذاك المجن الذي قطَع فيه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم. ولا مانع أن تعرف عائشة هذا، ولا تعرف قيمة ذاك المجن. وهذا المعنى أقرب وأولى مما زعمه صاحب هذا المسلك، فإنه يزعم أن المعنى أن اليد لم تكن تُقطَع إلا فيما يبلغ ثمنَ مجنٍّ من المَجان أيَّ مجنٍّ كان. وهذا بغاية البعد، فإن من المجانِّ الرديءَ البالي المعيب الذي تكون قيمته درهمًا واحدًا أو دونه، ومنها ما يزيد على ذلك زيادة متفاوتة، ولم يُعهَد من حكمة الشارع وإيثارِه الضبطَ: أن ينوط مثل هذا الحكم العظيم بمثل هذا الأمر الذي لا ينضبط.
فإن قيل: قد يختار مجنٌّ من أوسط الغالب على نحو ما قدَّمتَ أول المسألة.
قلت: أوسط الغالب بعيد أيضًا عن الانضباط، والذي تقدَّم إنما هو من بعضِ مَن بعدَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رأى أنه لا ينبغي القطع في أقل مما قطع فيه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم، وعرف أنه ذاك المجن ولم يعرف ثمنه، فاضطُرَّ إلى الحدس. والشارع لا ضرورة تُلجِئه ولا حاجة تدعوه إلى مثل هذا، فلماذا يعدل عن سنته من إيثار الضبط، وهو قادر على