للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الضبط بالذهب أو الفضة، فيكون المناط ظاهرًا منضبطًا سهلَ المعرفة جاريًا على ما يعرفه الناس ويتعارفونه؟

فأما تقدير الدية بالإبل فذلك معروف متعارف من قبل الإسلام، وكان أغلب أموالهم الإبل، ووصفها الشارع بصفات معروفة تقرِّبها من الانضباط، ولا يُخشى بعد ذلك التباسٌ ولا مفسدة، كما يُخشى في نَوط القطع بثمن مِجنّ. فإنَّ مَنْ وجبت عليه الدية لا يلزمه أن يدفع النفيسة. فلو كانت عنده [ناقة] (١) نفيسة، وأراد أن يشتري بها عشرًا كلُّهن على وصف الدية مُكِّن من ذلك، فيشتري بتلك الناقة عشرًا ويدفعها، فتُحسَب له عشرًا. واحتمالُ أن لا يتمكن من ذلك بعيد. فإن اتفق ذلك، فللفقيه أن يقول: هي بمنزلة المعدومة، ويعدل إلى قيمة القدر الواجب من [٢/ ١٤١] الغالب، كما قيل بنحو ذلك في الزكاة. فأما إذا طابت نفسُ صاحبها فدفَعَها، فلا إشكال. والحنفية لم ينكروا وجوب الإبل، وإنما قالوا: إن الواجب هي أو ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم، وإن التعيين بالتراضي أو القضاء.

وأقول: أما التراضي، فلا إشكال فيه. وكذلك القضاء إذا قضى القاضي بالإبل، أو بذاك المبلغ من الذهب أو الفضة، وهو قيمة الإبل. وأما إذا لم يكن ذلك قيمتها، فجعلُ الخِيَرةِ للقاضي منافٍ للعدل، وفتحٌ لباب اتباع القضاة للهوى، وأصول الشرع تأبى ذلك. والمقصود هنا أنه لا مفسدة في جعل الدية (٢) من الإبل، فإن الواجب الحقيقي هو أقلُّ ما يتحقق به الصفة. فالمستحق بين أن يحصل له حقه، وأن يحصل له دونه برضاه، وأن يحصل


(١) الزيادة من (خ).
(٢) في (ط): «الزكاة»، والمثبت يقتضيه السياق.