للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له فوقه برضا الدافع.

وعلى فرض أن المقوِّم أخطأ في التقويم، فالخطب سهل، إنما هو خسارة مالية يجبُرها الله عز وجل من فضله.

وأما المجن، فإن قيل: إنه يُقطع في سرقته مطلقًا بأي صفة كان، فلا يخفى ما فيه. وإن قيل: لا يُقطع فيه إلا إذا كان بوصف مخصوص، فما هو ذاك الوصف؟ وما الدليل على تعيينه؟ وإن قيل: لا يُقطع فيه إلا إذا بلغت قيمته حدًّا معينًا، كما يدل عليه قول أنس (١): «سرق رجلٌ مِجنًّا على عهد أبي بكر، فقُوِّم خمسةَ دراهم، فقُطِع»، فهذا قولنا، وبطل هذا المسلك الطريف رأسًا.

وإذا كان المسروق ذهبًا أو فضة، فعلى ذلك المسلك ينبغي أن ينظر هل هو قيمة مجن أو لا؟ وهذا عكس المعروف المتعارف من اعتبار مقادير السِّلع بالذهب والفضة. وإذا كان المسروق سلعة أخرى احتيج إلى تقويمين، تقويم السلعة بالذهب أو الفضة، وتقويم المجن الذي لم تبيَّن صفته بالذهب أو الفضة، واحتمالُ الخطأ في ذلك أشد من احتماله في تقويم واحد.

فإن قيل: إنما كان ذلك في أول الأمر، ثم استقر الحال على العشرة الدراهم.

قلت: فهل كان الشارع يجهل عاقبة الأمر؟ وقد قال الشاعر:

رأى الأمرَ يُفضي إلى آخِرٍ ... فصيَّر آخرَه أوَّلا (٢)


(١) أخرجه النسائي (٨/ ٧٧).
(٢) من أبيات لمحمود الوراق في «عيون الأخبار» (٣/ ٥٤) و «طبقات» ابن المعتز (ص ٣٦٧) وغيرهما. وتنسب إلى علي بن أبي طالب. انظر تخريجه في «ديوان الوراق» (١٣٩).