[٢/ ١٤٢] وإذا كان المجن لا يصلح أن يُجعل معيارًا مستمرًّا، فكذلك لا يصلح أن يكون معيارًا موقتًا بلا ضرورة ولا حاجة.
فإن قيل: قد يكون صاحب هذا المسلك إنما عنى ذاك المِجنَّ المعيَّن الذي قطع فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: فيلزم أن يكون ذاك المِجنُّ بقي محفوظًا في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم في بيوت الخلفاء. فكلما رُفِعَ سارقٌ قُوِّم المسروقُ، ثم أُخرج ذاك المجنُّ، فقُوِّم بقيمة الوقت! وهذا باطل من وجوه:
منها: أنه لم يُنقل، ولو كان لَنُقِل لغرابته. ومنها: أن النقل يأباه. ومنها: أنه خلاف المعهود من براءة الشريعة عن مثل هذا التكلف الذي لا تُبرِّره حكمة. وكثيرٌ مما تقدَّم يرد على هذا أيضًا. وأشدُّ ذلك: الداهية الدهياء، وهي النسخُ بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن قيل: لعل صاحب هذا المسلك إنما أراد أن ذلك التدرج واستقرار الأمر على عشرة الدراهم كان كلُّه في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: ظاهر صنيعه خلاف ذلك، لتنظيره بحدِّ الخمر، ولأنه لا يجهل أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء في ذكر العشرة (١)، وإنما يصح ــ إن صحَّ شيء ــ عمن بعده وبعد الخلفاء الراشدين. وهَبْ أنه إنما أراد
(١) قلت: في هذا نظر، فإن المومى إليه قد صرح بتصحيح حديث ابن عباس في العشرة! [ن].