للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما زعمت، لم يأت عليه بشبهة فضلًا عن حجة، ويرد عليه أكثر ما تقدم. وكيف يقول: إن أحاديث «الصحيحين» قطعية الثبوت، ثم ينسخها بما لم يثبت!

وأما قضية المهر فلم يثبت تحديده، وإنما اقتسر الحنفية قياسه على ما يُقطَع فيه السارق. والأصل باطل، والقياس أبطل.

وأما حدُّ الخمر، فالحق أنه أربعون. واستنبط الصحابة من تدريج الأمر في الخمر من حُكمٍ إلى أشدَّ منه رعايةً للحكمة جوازَ زيادة التشديد تعزيرًا، واستأنسوا لتحديد الزيادة بقولهم: «إنه إذا سكر هَذَى، وإذا هَذَى افترى» (١)، مع علمهم بأنه لا يلزمه بمجرد الاحتمال حكمُ [٢/ ١٤٣] المرتد ولا حكم المطلِّق، ولا غير ذلك مما يحتمل صدوره منه عند هذيانه. والسرقةُ لم يقع في تحريمها تدريجٌ، لا من حال إلى أشدَّ منها، ولا من حال إلى أخفَّ منها.

فإن قيل: قد يقال: إن للتدريج حكمةً، وهي أن الناس كانوا في ضيق، فكان المسروقُ منه يتضرَّر بأخذ اليسير من ماله، ثم اتسعوا فصار لا يتضرَّر إلا بأخذ أكثر من ذلك، وهكذا.

قلت: تعقُّلُ الحكمةِ لا يثبت به الحكم، مع أن ما ذكرتم يعارضه أن المناسب في زمن الضيق أن يخفَّف على السارق لكثرة الحاجة. وقد شهدت الشريعة في الجملة لهذا المعنى دون الأول، وذلك بدَرْء (٢) الحد


(١) هذا من قول علي بن أبي طالب، أخرجه مالك في «الموطأ» (٢/ ٨٤٢). قال الألباني في تعليقه: «هذا لم يصح، وهو معلل في إسناده ومتنه، وقد بينت ذلك في «إرواء الغليل» (٢٤٤٦)».
(٢) (ط): «يدرء». والتصويب من (خ).