للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: ذكر البخاري في «الصحيح» (١) عن ابن شبرمة أنه احتج على أبي الزناد بالآية، وذكر قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢]. قال: «قلت: إذا كان يُكتفَى بشهادة شاهد ويمين المدعي، فما يحتاج أن تُذكِّر إحداهما الأخرى؟ ما كان يصنع بذكر هذه الأخرى؟ ».

قلت: قد تقدم ما يُعلم منه الجواب. ولا بأس بإيضاحه، فأقول: يصنع بذكر الأخرى أنه إذا كان الرجل باقيًا حاضرًا جائز الشهادة أن تتم الشهادة، فيكون ذلك أقسط عند الله، وأقوم للشهادة، وأبعد عن الارتياب. ولا يتوقف ثبوتُ الحق على يمين المدعي، وقد تكبر عليه، أو تتعذر منه، فيضيع الحق أو يتأخر، كما تقدم. وإن كان الرجل قد مات أو عرض له ما فوَّت شهادته، شهدت المرأتان، وحلف المدعي معهما، وثبت الحق كما هو مذهب مالك. والظاهر أنه كان مذهب أبي الزناد، وهو مذهب قوي؛ فإن الآية أقامت المرأتين مقام رجل. وفي «الصحيحين» (٢) من حديث أبي سعيد الخدري في قصة خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم العيد ومروره على النساء وموعظته لهن: «قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ » قلن: بلى». وهذا قاضٍ بأن شهادة المرأتين في ما تُقبل فيه شهادتهن مثل شهادة رجل. فأما اشتراط الآية لاستشهاد المرأتين أن لا يكون رجل، فإنما هو ــ والله أعلم ــ لأن المطلوب في حق النساء الستر والصيانة، والشهادة تستدعي البروزَ، وحضورَ مجالس الحكام، والتعرضَ لطعن المشهود عليه.


(١) (٥/ ٢٨٠ مع «الفتح»).
(٢) البخاري (٣٠٤). وأخرجه مسلم (٨٨٩) وليس فيه لفظ الموعظة.