للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أظهر في القسط والعدل من القضاء بشاهد ويمين، وأقوم للشهادة لأن كلًّا من الشاهدين يبالغ في التحفظ لئلا تخالف شهادته شهادة الآخر، وأبعد عن الريبة كما لايخفى. وقد دل الإتيان بصيغة التفضيل على أن أصل القسط، وقيام الشهادة، والبعد عن الريبة= قد يحصل بما هو دون ما ذُكر، فما هو؟ ليس إلا الشاهد واليمين، كما دل عليه الحديث. فالآية تدل على صحة الحديث، لأنه لو لم يكن صحيحًا لما كان هناك ما يحصل به ما اقتضته الآية.

الفائدة الثانية: أن ذلك أحوط للحق، إذ لو استُشهِد رجلٌ واحد فقط، فقد يموت قبل أداء الشهادة، أو يعرض له ما تفوت به شهادته، كالجنون أو النسيان أو الفسق أو الغَيبة، فإذا كانا اثنين فالغالب أنه لا يعرض لهما ذلك معًا. وهذه أدنى درجات الاحتياط نبهتْ عليها الآية، ولم تمنع مما فوقها، بل في هذا إشارة إلى أنه إذا اقتضت الحال ينبغي مظاهرة الاحتياط، وذلك كأن تكون مدة الدَّين طويلة كخمس عشرة سنة، ووجد شاهدان شيخين كبيرين، فينبغي الزيادة في عدد الشهود بحيث يغلب أنهم لا يموتون جميعًا قبل حلول الدين، أو يعرض لهم جميعًا ما تفوت به شهادتهم.

[٢/ ١٥٠] الفائدة الثالثة: أن الشاهد الواحد لا يثبت به الحق، بل لا بد معه من اليمين، وقد يكبر على المدعي أن يحلف خشية أن يتهمه بعض الناس، أو لأنه قد نسي القضية أو صفتها، أو لأنه لم يحضرها وإنما حضرها مورثه الذي قد مات. وقد يُجَنُّ الدائن أو يموت ويكون وارثه صبيًّا أو مجنونًا، فتتعذر اليمين وقت المطالبة، فيتأخر القضاء بالحق إلى أن يكمل صاحبه أو يموت.