وأما قول الأستاذ:«فسَلْ قضاة العصر ... »، فجوابه: أنها إذا روعيت العدالة الشرعية كما يجب لم يكن هناك اختلال يُعتدُّ به، وقد قضى أهل العلم بذلك ويقضُون به إلى اليوم في بعض الأقطار، ولا يدرك اختلال؛ وإنما الاختلال في جواز القضاء بشهادة فاسقَيْن على ما يقوله الحنفية. أوَ رأيتَ لو قال قضاة العصر: قد فسد الزمان، فلا يُقضى بأقل من ثلاثة شهود على شرط أن تكون القرائن مساعدة لشهادتهم؟ وكما أن الفساد يُخشى مِن ادعاء الباطل، فإن أشدَّ منه يُخشَى مِن جحد الحق.
فإن شدَّدتَ بالشهادة دفعًا لما يُخشى من ظلم المدعي للمدعى عليه، فقد سهَّلتَ بذلك ظلمَ المدعى عليه للمدعي. وهذا أشدُّ، فإن الغالب أن يكون المطالِب عند الحاكم هو الضعيف الذي لا يمكنه استيفاء الحق من المدعى عليه، فكيف أن يظلمه؟ فالقسطاس المستقيم هو اتباع الشريعة، والله عز وجل متكفِّل بحفظها، وضامن بقدره أن يسدِّد المتبعَ لها، ويسُدَّ ما قد يقع من الخلل في تطبيق العمل بشرعه على حكمته في نفس الأمر أو يَجْبُرَه. وهو سبحانه اللطيف الخبير، على كل شيء قدير.