للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، بل يزعمون أن ثبوته محال، وتارة يستكرهونه على التأويل، وقد مرَّ مثال ذلك عن عمرو بن عُبيدٍ.

وقد علمنا أنهم مختلفون في العقائد؛ فهذا يعتقد أمرًا ويزعم أنه يقينيٌّ، وذاك يعتقد نقيضه ويزعم أنه يقينيٌّ. وبهذا يُعلَم أن من العقائد التي يزعم أصحابها أنها يقينيَّةٌ ما هو باطلٌ قطعًا، فلو فرضنا أن أصحابها لقوا النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فأخبرهم ببطلان عقيدتهم فماذا يكون حالهم؟ أيردُّون قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ويكذِّبونه ويقطعون بأنه ليس بنبيٍّ وأن معجزاته مخرقةٌ ويضحكون منه وممن يتَّبعه، أم يتردَّدون، أم يرجعون عن عقيدتهم التي زعموا أنها يقينيَّةٌ يستحيل أن يجيء يقينٌ بخلافها؟ ومَنْ تأمل تأويلاتهم المستكْرَهة للآيات القرآنيَّة وما وقع فيه شجعانهم كابن سينا وابن رشدٍ وغيرهما لم يجزم بحسن الظنِّ بهم.

إنَّ مَن غَرَّه النساء بودٍّ ... بعد هندٍ لجاهلٌ مغرورُ

كلُّ أنثى وإن بدا لك منها ... آية الحبّ حبُّها خيتعورُ (١) (٢)

هذا مع أن هؤلاء ــ وعمرٌو في مقدمتهم ــ إذا سمعوا آية من القرآن لم يفهموا معناها لم يتردَّدوا في تصديقها، وكذلك إذا كانت مخالفةً لعقيدتهم فإنهم يصدِّقونها بعد تأوُّلها على ما يوافق عقيدتهم، ولكن لو فُرِض [٢٠] أنَّ آيةً جاءت قطعيَّة الدلالة على خلاف قولهم فما ندري ماذا يصنعون؟ وقد


(١) هو كلُّ شيءٍ يتغيَّر ويضمحلُّ ولا يدوم على حالٍ، والسراب المضمحِلُّ، وشيءٌ كنسيج العنكبوت يظهر في الحرِّ كالخيوط في الهواء. المعجم الوسيط ٤٥٤.
(٢) البيتان لآكل المرار حجر بن مطاوية. البيان والتبيين للجاحظ: ٣/ ٣٢٨، والأغاني: ١٦/ ٣٨٠ - ٣٨١.