وبالنبوة واليوم الآخر ليست مقصورةً على النوع الذي ذكر الغزالي أنه اتفق له بممارسته للعلوم، بل ييسِّر الله تعالى لمن شاء ما هو أقرب منها وأقوى: بالنظر العادي في آيات الآفاق والأنفس، وتدبُّرِ الكتاب والسنة. وإنما الشأن في التعرُّض لفضل الله عز وجل، فمن اكتفى أوَّلًا برجحان صحة الشرع، فآثره على هواه، وأسلم له نفسَه، وخضع لما جاء به، ووقف عند حدوده، فقد تعرَّض لنيل ذلك النور وذلك اليقين على وجه هو أصفى مما قد يحصل بممارسته العلوم، وأضوأ وأبهى وأهنأ؛ لأن ممارسة المعقولات في شأن الإلهيات تعترض فيها الشبهات والتشكيكات. بل الأمرُ أشدُّ من ذلك، فإن الخوض في النظر المتعمَّق فيه طلبًا للهدى من جهته عدولٌ عن الصراط المستقيم، [٢/ ٢٢٩] وخروجٌ عن سبيل المؤمنين، فهو تعرُّضٌ للحرمان والخذلان والإضلال. لكن قد يعذر الله تعالى بعض عباده، فلا يَحرِمه فضلَه، إلا أن الشبهات تنغِّصه عليه، بل لا تزال تغالبه. وقد تكون العاقبة لها، والعياذ بالله.
هذا، ومن حصل له اليقينُ بصحّة الشرع جملةً فقد حصل له اليقين بصدق جميع ما جاء به الشرع، وأنه لا يتطرق إليه اختلالٌ البتة، إذ يستحيل هاهنا الجهل، والخطأ، والكذب، والتلبيس، والتقصير في البيان. وهذا هو حال المأخذَين السلفيَّين.
غاية الأمر أنه قد تعرِضُ لمن حصل له ذلك شبهةٌ يتعسَّر عليه حلُّها، فإذا رجع إلى إيمانه وتصديقه لربه لم يُبالِ بتلك الشبهة. وقد تقدّم عن النُّظَّار فيما أجابوا به عن الأمور التي أوردها القادحون في البديهيات قولهم: "لا نشتغل بالجواب عنها، لأن الأوليات مستغنية عن أن يُذَبَّ عنها، وليس