للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقدرتهم ولا في ملكهم. قال الله عزَّ وجلَّ لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: (١٧)].

وكان الصحابة إذا احتاجوا إلى نفع [٢/ ٢٧٦] غيبي إنما يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدعاءَ كما في الاستسقاء، وقلة الأزواد في السفر، وغير ذلك؛ والدعاءُ داخل في المقدورات العادية كما لا يخفى. وكانوا إذا بعدوا عنه فاحتاجوا أن يراجعوه في شيء كتبوا إليه أو أرسلوا، على ما جرت به العادة. فإذا لم يمكن ذلك قال أحدهم: اللهم أخبِرْ عنَّا رسولَك، كما قال عاصم بن ثابت (١)، وجاء نحوه عن خبيب بن عدي (٢). وما يُحكى عنه مما يخالف ذلك لا يثبت، ولو ثبتَ وجبَ حملُه على المعنى المعروف. ودعاؤهم مرجوُّ الإجابة، وليس ذلك بحَتْم. قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: (٥٦)] وقال سبحانه: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: (٣٥)] والنصوص في هذا المعنى كثيرة.

وأما الجن، فإنه مأذون لهم إذنًا قدريًّا عامًّا في الوسوسة لبني آدم، وذاك كالأمر الطبيعي لهم، إنما يُستدعَى بمعصية الله عز وجل والغفلة عن ذكره، ويُستدفَع بطاعته سبحانه والتعوذ به. فأما أن ينفعوا الناس أو يضرُّوهم، فلو


(١) أخرجه البخاري (٣٠٤٥، ٣٩٨٩، ٤٠٨٦) من حديث أبي هريرة في قصة عاصم بن ثابت وأصحابه.
(٢) انظر «سيرة ابن هشام» (٢/ ١٧٣).