للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا قيل: هذا السؤال إنما يأتي فيما ثبت أو جاز أنه لم يكن ثم كان. وذلك كأن تمرَّ ببقعة لا بيت فيها، ثم تمرَّ بها وفيها بيت. وكالشمس فإن العقول الفطرية حتى الساذجة تُجيز أن يخلق الله تعالى شمسًا أخرى غير هذه الشمس، وتجيز أن يكون قد مضى زمان لا شمس فيه، ثم خلق الله تعالى هذه الشمس. وهكذا سائر المخلوقات. وإنما قد تتوقف العقول الفطرية في بعض الأشياء التي لا ضيرَ في التوقف فيها من جهة العقل. وذلك كالفضاء والزمان، فإنهما إنْ كانا أمرين عدميين كما عليه المتكلمون فالأعدام أزلية، [٢/ ٢٨٥] وإن كانا وجوديين فلا يصلحان ولا واحد منهما أن يكون ربًّا أوجد هذه الموجودات. والمقصود أنه في مثل البيت والشمس يأتي ذاك السؤال فيقال: لم يكن موجودًا، فمَن أوجده؟ فأما الموجود الحق الذي ثبت أنه لم يزل، فلا يأتي في حقِّه ذاك السؤال أصلًا.

= فقد لا تطمئنُّ النفس (١) لهذا حقَّ الاطمئنان. وقد نبه الشرع على هذا وعلى علاجه. ففي «الصحيحين» (٢) وغيرهما من طرق عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول: مَن خلق كذا؟ مَن خلق كذا؟ حتى يقول: مَن خلق ربَّك؟ فإذا بلغه فَلْيستعِذْ بالله وَلْيَنْتَهِ» لفظ البخاري في «بدء الخلق».

وفيهما (٣) من حديث أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالقُ كلِّ شيء، فمن خلَقَ


(١) السياق: «فإذا قيل: هذا السؤال إنما يأتي ... فقد لا تطمئن النفس».
(٢) البخاري (٣٢٧٦) ومسلم (١٣٤/ ٢١٤).
(٣) البخاري (٧٢٩٦) ومسلم (١٣٦).