للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: ٨ - ١١].

وهذه الحكمة إنما تستدعي إعادة الأجزاء التي تؤدي الشهادة، وذلك عند أدائها. فلا يلزم أن تعاد في كلِّ بدنٍ جميعُ أجزائه ثم تبقى خالدةً معه. بل إذا فرضنا أجزاء معينة قد دخلت في تركيب عدة أبدان في الدنيا على التتابع بأن كانت في هذا البدن، ثم صارت من ذاك البدن، وهلمَّ جرًّا؛ واقتضت الحكمةُ أن تؤدي الشهادة يوم القيامة في كلِّ بدن من تلك الأبدان بما فعل= فإن ذلك يمكن بأن تُحشر أولًا كما شاء الله تعالى إما في بدن واحد، وإما متفرقةً في تلك الأبدان، ثم إذا حوسب أولُّ إنسان من أصحاب تلك الأبدان جُمعت تلك الأجزاء في بدنه، ثم إذا أدَّت الشهادة فارقته إلى بدنِ أولِ مَن يُحاسَب بعده من أصحاب [٢/ ٣١٢] تلك الأبدان. وهكذا حتى تستوفى تلك الأبدان كلُّها التي دخلت فيها وقضت الحكمة باستشهادها على أصحابها. وقد يشير إلى هذا قوله تبارك وتعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: ١٠٤]، وقوله سبحانه: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: ٢٩].

وأما الجزاء الجسماني، فمن الحكمة فيه تنعيم الأرواح وتعذيبها بما هو من جنس ما أَلِفتْه في الدنيا بواسطة الأبدان، فإن الأرواح لطول صحبتها للأبدان واعتيادها اللذاتِ والآلامَ التي تصل إليها بواسطتها تبقى بعد مفارقة الأبدان متصوِّرةً تلك اللذات والآلام، متشوِّقةً إلى جنس تلك اللذات، نافرةً عن جنس تلك الآلام. فإذا أعيدت إلى أبدان ثم نعِمتْ بما هو من جنس اللذات التي ألِفتْها، كان ذلك أكملَ للذتها وأتمَّ لنعيمها من أن تنعم بلذات