ولِعلمهم بظهور سخافتهم فيما يرتكبونه، يحاولون ترويجه بأمرين:
الأول: زعمُهم أن الملجئ لهم إلى ذلك احتياجُهم إلى الدفاع عن الدين، لئلا يلزم من مجيئه بتلك النصوص بطلانُه!
الثاني: عيب أئمة المؤمنين الذين يصدِّقون الله ورسوله، والسخرية منهم بأنهم لا يعقلون ولا يفهمون، ويسمُّونهم «الحشوية» وغير ذلك من الأسماء المنفِّرة، كما صنع ابن الجويني المدعو «إمام الحرمين» في ردِّه على كتاب «الإبانة» للحافظ أبي نصر السجزي، وذلك قبل أن يرجع ابن الجويني، ويتمنى الموت على دين عجائز نيسابور؛ وكما صنع ابن فورك في كتابه «مشكل الحديث». وإني والله ما آسى على ابن فورك، وإنما آسى على مسحوره البيهقي الذي امتلأ من تهويلات ابن فورك وغيره رعبًا، فاستسلم لهم، وانقاد وراءهم.
وكان عبد الرزاق بن همام الصنعاني قد أخذ عن جعفر بن سليمان الضُّبَعي طرفًا من التشيع، فشنَّعوا عليه بذلك، حتى قال محمد بن أبي بكر المُقدَّمي: فقدتُ عبد الرزاق، ما أفسد جعفرُ بن سليمان غيرَه! [٢/ ٣٤٦] وليت شعري لو كان ابن فورك والبيهقي أدركا المُقدَّمي ما عسى كان يقول فيهما!
فأما ما يعترضهم من كلام السلف، فإنهم يصرِّحون بقلة حياءٍ بأن تلك الأقوال تجسيم، كما صنعوا فيما صحَّ عن كبار أئمة التابعين من تفسير «الصمد» بأنه الذي لا جوف له. وقد مرَّ ذلك في الباب الثالث. فإذا كان أشياخكم يردُّون القرآن والسنة ويُجهِّلون أئمة السلف، فكيف تظنون بهم أنهم لا يخالفون السلف؟