إيمان الأنبياء، وإيمان العلماء، وإيمان العوام يتفاوت من جهة ما يحتمل الزوال منها، وما لا يحتمله. واحتمال الزوال أو عدم احتماله ناشئ من أمر خارج، وذلك من تفاوت طرق حصول الجزم عندهم، لا من التفاوت في ذات الإيمان. فالإيمانُ عند الأنبياء لا احتمال لزواله منهم، لأن حصوله عن مشاهدة ووحي قاهر. وإيمانُ العلماء يحتمل الزوال بطروء بعض شبه على أدلة الإيمان عندهم، ولو احتمالًا ضعيفًا. وأما إيمان العوام، فربما يزول بأيسر تشكيك ... فبهذا البيان اتضحت المسألة تمام الاتضاح ــ إن شاء الله تعالى ــ لكل من ألقى السمع وهو شهيد».
ونَوَّهَ عن هذا الكلام (ص ١٩٣) بقوله: «تحقيق بديع ... »!
أقول: لنا أن نلتمس من الأستاذ الكوثري أن يفكِّر في اعتقاده أن الثلاثة من حيث العددية أقل من الستة، هل يمكن أن يتشكك فيه يومًا ما مع بقاء عقله؟ فإن قال: لا، فليستعرض الاعتقادات الدينية الضرورية للإيمان، التي يرى أنه جازم بها حقَّ الجزم، هل يمكن أن يتشكك في بعضها يومًا ما؟ فإن قال: لا، فقد أخرج نفسه من زمرة العلماء الذين قضى في عبارته السابقة بأن إيمانهم يحتمل الزوال!
وإن قال: يجوز ذلك.
قيل له: فتجويزك هذا ألا يدل على أن جزمك بتلك العقيدة دون جزمك بأن الثلاثة نصف الستة؟
[٢/ ٣٧٠] فإن قال: قد قلت: إن هذا الأمر خارج.
قيل له: هذا الأمر الخارج إنما حاصله قوة الدليل في حق الأنبياء، وكونُه دون ذلك في حق العلماء. أوَ ليس من لازم تفاوُتِ الأدلة في القوة تفاوتُ الجزم بمدلولاتها عند العارف بتفاوتها؟ فالدليل الذي يكون عندك غايةً في