يتراءى له أنه يخالفها. ويرى نصوصًا في الأحكام فيتبين له أنها موافقة للرأي والنظر والحكمة والقياس، وقد يتراءى له أنها مخالفة لذلك. ويرى نصوصًا في الإخبار عن الجن والشياطين، والأرض والسماء، والشمس والقمر، وغير ذلك، فيتبين له أنها موافقة للواقع، وقد يتراءى له أنها مخالفة له. ويطالع السيرة فيرى فيها أمورًا واضحة الدلالة على النبوة، وقد يرى فيها ما يتراءى له منه خلاف ذلك. ويسمع من الأطباء وغيرهم ما يوافق ما جاء في الشرع، وقد يسمع منهم ما يخالفه. ويطيع النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الأمور فيناله نفع، وقد يتفق له خلاف ذلك. وهذا كمن يريد سفرًا مع رفقة، فتعزِم الرفقةُ على الخروج يوم الجمعة قبل الصلاة، فيأبى أن يخرج قبل الصلاة للنهي الشرعي عن ذلك (١). وسافر الرفقة فتصيبهم مصيبة [٢/ ٣٦٩] كاصطدام القطار، أو غرق الباخرة أو نحو ذلك؛ وينجو هو لتأخره. وقد يتفق خلاف هذا بأن تسلم الرفقة وتغنم، ويخرج هو بعد الصلاة فيصيبه ضرر. وأشباه هذا كثيرة لا تكاد تمضي ساعة إلا ويقع شيء منها. ولا ريب أن اعتقاد الإنسان بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يبقى على حال واحدة مع اختلاف الأمور المذكورة، بل يصفو تارة، ويتكدر أخرى، ويقوى تارة، ويضعف أخرى، ويزيد تارة، وينقص أخرى.
ولا أرى عاقلًا يتصور حاله وحال الملائكة والأنبياء، ويقول: إن يقينه مثل يقينهم. وقد حاول الكوثري أن يجيب عن هذا فقال (ص ٦٧): «نعم، إن
(١) قلت: لم يثبت النهي عن السفر يوم الجمعة، بل صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال لمن سمعه يقول: لولا أن اليوم جمعة لخرجت! قال عمر: «اخرج فإن الجمعة لا تحبس عن سفر». راجع لهذا وغيره مما روي في النهي كتابنا «سلسلة الأحاديث الضعيفة» رقم (٢١٨ و ٢١٩). [ن].