إن قيل: التفرق والاختلاف يصدق بما إذا ثبت بعضهم على الحق وخرج بعضهم عنه، والآيات تقتضي ذمَّ الفريقين.
قلت: كلَاّ، فإن الآيات نفسها تحضُّ على إقامة الدين، والثبات عليه، والاعتصام به، واتباع السراط؛ بل هذا هو المقصود منها. فالثابت على السراط لم يُحدِث شيئًا، ولم يقع بفعله تفرق ولا اختلاف، وإنما يحدُث ذلك بخروج من يخرج عن السراط، وهو منهيٌّ عن ذلك، فعليه التبِعةُ.
فإن قيل: المكلَّف مأمور بالاستقامة على السراط، ولا يمكنه الاستقامة عليه حتى يعرفه، وإنما يعرفه بالبحث والنظر والتدبر، وحججُ الحق ــ كما سلف في المقدمة ــ غير مكشوفة، فالباحث معرَّض للخطأ؛ بل مَن تدبَّر الحجج علِمَ أنه يستحيل في العادة أن لا يختلف الناظرون فيها= فما الجامع بين الأمر باتباع الحجج وهو يؤدي إلى الاختلاف، وبين الزجر عن الاختلاف، وقد قال الله تبارك وتعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}