[البقرة: ٢٨٦] وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: ١٦]؟
أقول ــ وأسأل الله تبارك وتعالى التوفيق ــ: قولي: «إن حجج الحق غير مكشوفة» إنما معناه ــ كما سلف ــ أنها بحيث يُحتاج في إدراكها إلى عناء ومشقة، ويمكن مَن له هوى في خلافها أن يغالط نفسَه وغيرَه بحيث يتيسَّر له زعمُ أنه إن لم يكن هو المُحِقَّ فهو معذور. واتباعُ الحجج لا يؤدي إلى اختلاف، وإنما المؤدي إليه اتباعُ الشبهات. وإنما الشأن في أمرين:
الأول: تمييز الحجج من الشبهات.
الثاني: معرفة الاختلاف المنهي عنه.
وجماع هذا في أمر واحد هو: معرفة السراط المستقيم. وقد بيَّنه الله تعالى بقوله:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}[الفاتحة: ٧]. وقد علمنا أن المنعَم عليهم قطعًا من [٢/ ٣٨١] هذه الأمة هم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. وقد قال الله عز وجل:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يوسف: ١٠٨]. وقال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ١١٥].
فالسراط المستقيم هو ما كان عليه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وقد تقدَّم بيانُ جوامعه في الباب الأول، وأول الباب الرابع. فما اتضح من المأخذين السلفيين بحسب النظر الذي كان متيسِّرًا للصحابة وخيار التابعين، فهو من السراط المستقيم. وما خفي أو تردَّد فيه النظرُ، فالسراط المستقيم هو السكوت عنه. قال الله تعالى لرسوله:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء: ٣٦].