للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: ٨٦].

وفي «الصحيحين» (١) من حديث جندب بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اقرأوا القرآن ما ائتلفتْ عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه».

فإن كان من الأحكام العملية، والقضيةُ واقعةٌ، ساغ الاجتهاد فيه على الطريق التي كان يجري عليها في أمثال ذلك الصحابةُ وأئمةُ التابعين.

فمن لزم هذه السبيل فهو الثابت على سبيل الحق والصراط المستقيم. ومن لزم ذلك في المقاصد، وخاض في النظر والرأي المتعمَّق فيه لتأييد الحق وكشف الشبهات، وقد تحققت الحاجة إلى ذلك، فلا يُقضَى عليه بالخروج عن السراط ما لم يتبيَّن خروجُه عنه في المقاصد؛ فتلحقه تبعةُ ذلك بحسب مقدار خروجه.

هذا، والاختلاف المنهي عنه، مِن لازمه ــ كما بينته الآيات ــ: التحزب وأن يكونوا شيعًا. وسبيلُ الحق بيِّنة، والدينُ محفوظٌ قد تكفَّل الله تعالى بحفظه، وبأن لا تزال طائفة من الأمة قائمة عليه. فإن أخطأ عالم لم يلبث أن يجد من ينبِّهه على خطائه. فإن لم يتفق له ذلك، فالذي يوافقه أو يتابعه لا بد أن يجد من ينبِّهه. فلا يمكن أن يستولي الخطأ على فرقة من الناس [٢/ ٣٨٢] يثبتُون عليه ويتوارثونه إلا باتباعهم الهوى. ولهذا نجد علماء كل مذهب يرمُون علماءَ المذاهب الأخرى بالتعصب واتباع الهوى، وأكثرُهم صادقون في الجملة، ولكن الرامي يغفُل عن نفسه، وكما جاء في الأثر (٢):

«يرى


(١) البخاري (٥٠٦٠، ٧٣٦٤) ومسلم (٢٦٦٧).
(٢) الذي يُؤثر عن المسيح بن مريم - صلى الله عليه وسلم - ومعناه في القرآن: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٤٤]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢ - ٣]. [م ع].

قلت: بل هو حديث مرفوع صحيح الإسناد، أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (١٨٤٨ - موارد) وغيره، وهو مخرج في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» رقم (٣٣)، ولا أدري كيف خفي ذلك على الشيخين، ولاسيَّما الشيخ محمد عبد الرزاق فإنه هو الذي قام على نشر كتاب «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان»، وعلى تحقيقه أيضًا، فلعله لم يتذكر الحديث عند كتابته لهذا التعليق. [ن].