للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفرائض كلها واجبة، فإنْ فرغت من جميعها علَّمْتُكَ طريقَ الخلاص من الخلاف". قال: "فإنْ هو طالبني بها قبل الفراغ من هذا كله فهو جَدَليّ وليس بعامي ... نعم لو رأيتم صالحًا قد فرغ من حدود التقوى كلها وقال: ها أنا تُشْكل عليّ مسائل ... فأقول له: إن كنتَ تطلبُ الأمان في طريق الآخرة فاسْلُكْ سبيلَ الاحتياط وخُذْ بما يتفق عليه الجميع، فتوضأ مِنْ كلِّ ما فيه خلاف، فإنَّ كل مَنْ لا يُوجبه يستحبه .. فإنْ قال: هو ذا يثقل عليَّ ... ، فأقول له: الآن اجتهد مع نفسك وانظر إلى الأئمة أيهم أفضل .. فمن غلب على ظنك أنه الأفضل فاتبعه".

حاصل هذا: أن الغزالي كان يعلم أن العامة في زمانه ينتسب كل منهم إلى مذهب ويتعصب له، فإنْ فُرِضَ أن أحدهم سأل عن الخلاف وكيف يتخلّص منه، فلن يكون إلا أحد رجلين: إما فارغًا متلهّيًا، وإما وَرِعًا تقيًّا، والتقيّ الورع لابدّ أن يكون قد شَغَلَ فِكْرَه المحافظةُ على الفرائض المتفق عليها، وتجنّب المحرمات المتفق عليها، وعمل بذلك على مذهبه قبل أن يشغله الخلاف. فإذا كان السائل مقصِّرًا مفرِّطًا وجاء يسأل عن الخلاف، فلن يكون إلا متلهّيًا، فيقال له: ابدأ بالعمل بما تعلمه يقينًا ثم سل، فإنْ أبى فهو جَدَليّ يتعنَّت في السؤال ولا يَهمُّه العمل، والإعراض عن مثله أَوْلى.

فأما من أتى بما عليه بحسب مذهبه وسأل عن الخَلاص [ص ١٦] من الخلاف، فالظاهر أنه يسأل ليعلم ويعمل.

قال الغزالي: "فأقول له: إنْ كُنْتَ تطلب الأمان في طريق الآخرة، فاسلُكْ سبيل الاحتياط وخذ بما يتفق عليه الجميع"، وفسَّرَ ذلك بما بعده. وذلك يوضِّح قطعًا أن مراده بما يتفق عليه الجميع أن يلتزم أن يكون وضوؤه