الذي يُصلِّي به وضوءًا يتفق العلماء على صحته، يتوضأ مِنْ كلّ ما قال عالم: إنه ينقض الوضوء. وهكذا في سائر عمله، يأخذ بالأشدّ الأشدّ من أقوال المختلفين. وفهم منها صاحب "المنار" أن لا يتوضأ من شيء قال عالم: إنه لا ينقض الوضوء. وهكذا في سائر عمله يأخذُ بالأخفّ الأخفّ من أقوال المختلفين. فلينظر العالم أين هذا من ذاك؟
على أنه إن لم يتوضأ إلا مِمَّا اتفقوا على أنه ينقض الوضوء قد يكون وضوؤه باطلًا باتفاقهم، وذلك أنّ بعض العلماء يوجب الوضوء بمسّ الذَّكَر ولا يوجبه من خروج الدم، وبعضهم يعكس، فإذا وقع لعاميّ هذا وهذا ولم يتوضأ، فوضوؤه الأول باطل باتفاق الفريقين. ومع أن مراد الغزالي الاحتياط الأكيد اقتصر على أن فيه "الأمان في طريق الآخرة" ومع أن صاحب "المنار" قَلَبه إلى التفريط الشديد لم يقتصر على أن صاحبه يكون ناجيًا في الآخرة بل زاد "مقربًا عند الله تعالى".
وبعد، فلندع الغزالي وصاحب "المنار"، ولنرجع إلى الحجة. إننا نعلم أن لكثير من علماء الفرق زلّات وشواذّ مخالفة لدلالات واضحة مِن القرآن، ولأحاديث تبلغ درجة التواتر المعنوي أو درجة القطع عند من يعرف الرواية والرواة، ومثل هذا غير قليل، فالمقتصر على ما اتفق عليه على ما فهمه صاحب "المنار" لابدّ أن يخالف الكتاب والسنة حتمًا في كثير من القضايا، هذا في المخالفة القطعية، فأما الظنية فحدِّث عن كثرتها ولا حرج.
ومن جهة آخرى، فمن المحال عادةً أن يكون الحقُّ دائمًا من المسائل الخلافية مع المرخِّصين، فالترخُّص فيها كلها تركٌ متيقّن لكثير من الحق. ولنفرض أن جماعة تَتَبَّعوا أقوال علماء المسلمين من جميع الفرق، ثم جمعوا