للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتابًا ضمَّنوه ما اتفق المسلمون على أنه واجب أو حرام أو باطل (١) وأهملوا ما عدا ذلك، فهل يقال: إنَّ مَن حافظ على ما في ذاك الكتاب بدون نظر إلى غيره "كان مسلمًا ناجيًا في الآخرة مُقرَّبًا عند الله تعالى" ثم يستغني الناسُ بذاك الكتاب عن كتاب الله وتفسيراته، وعن كتب السنة وشروحها ومتعلقاتها، وعن كتب الفقه كلها، ثم لا يعدم المشذّبون مقالًا يشكك في ما ضمه ذاك الكتاب، كالشك في تحقق الإجماع وفي حجيته، ولتغير الأحكام بتغير الزمان. وحينئذ يستريح الذين يدعون أنفسهم بالمصلحين مِن كلِّ أثر للإسلام.

وقال ابن حزم في "الأحكام" (٣: ١١٤) (٢): "وبالجملة فهذا مذهب لم يُخلَق له معتَقِد قط، وهو أن لا يقول القائل بالنص حتى يوافقه الإجماع، بل قد صحَّ الإجماع على أن قائل هذا القول معتقدًا له كافر بلا خلاف، لرفضه القول بالنصوص التي لا خلاف في وجوب طاعتها".

هذا وقد برئت ذمة الغزالي من ذاك القول كما علمت. وأنا أجلّ السيد محمد رشيد رضا عن أن يقول به [ص ١٧] متصوِّرًا حقيقته، وإنما هذا شأن الإنسان، كمن يكون على جسر غير محجّر فتستولي على ذهنه خشيةُ السقوطِ من جانب فيتأخر عنه ويتأخر حتى يسقط بغير اختياره من الجانب الآخر.

بلى مَنْ عمل بالمتفق عليه كان مسلمًا ناجيًا في الآخرة مقربًا عند الله تعالى، وهذا المُتَّفق عليه هو العمل بالدلائل القطعية والظنية من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله الثابتة قطعًا أو ظنًّا، فالعالم يتحرَّى ذلك بالنظر في


(١) انظر هل يسمحون بزيادة "أو مندوب" [المؤلف].
(٢) طبعة أحمد شاكر وتقديم إحسان عباس.