إلى الناس كافة إلى يوم القيامة، وأنّ شريعته للناس كافة إلى يوم القيامة، وأن الله تعالى أمر الناس كافة باتباعه وطاعته والتأسّي به، وأخذ ما آتى والانتهاء عما نهى، وجعله المبيِّن عنه لما أنزله بقوله وفعله، وأنهم مأمورون بتبليغ الكتاب وبيانه، إذ كلّ ذلك دينٌ للناس كافة إلى يوم القيامة. وأنهم مأمورون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، والدلالة على الخير، والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولعباده. وعلموا الوعيد الشديد على كتمان الحق، وكتمان ما أنزل الله من البينات والهدى، مع علمهم بأنّ كتمان بيان الكتاب بمنزلة كتمان الكتاب. وحسبنا أنهم كانوا أعلم بالله ودينه وما لهم وعليهم، وأَتْبَع للحق وأحرص على النجاة من كلِّ من جاء بعدهم.
وقد حدَّث أفاضلهم وخيارهم ما بين مُكثر ومُقلّ، ولم يكن المقلُّ يَعيب على المكثر إلا أن يرى بعضهم أن الإكثار جدًّا خلاف الأَوْلى، وهذا عُمر الذي نُسِب إليه كراهية الإكثار قد جاءت عنه ــ مع تقدّم وفاته ــ أكثر من خمسمائة حديث، وله في «صحيح البخاري» وحده ستون حديثًا، وقد نسب إليه الوهم كما نُسِب إلى غيره. فالحق الذي لا يرتاب فيه عاقل أنهم كانوا مأمورين بالتبليغ عند الحاجة، مأذونًا لهم أن يحدِّثوا مطلقًا، مع العلم بشدّة حُرْمة الكذب في جميع الأحوال.
فمعنى ذلك أنّ عليهم ولهم أن يحدّثوا بما يعتقدون أنهم صادقون فيه، ومع العلم بأن أحدهم إذا حدَّث معتقدًا أنه صادق فقد يقع له خطأ، وإن من وقع له ذلك مع بذله وسعه في التحرّي والتحفُّظ فهو معذور، وهذا هو الذي تقتضيه القضايا العقلية والنصوص القرآنية، حتى لو فُرِض أنه لم يأت في الحديث [ص ٥٠] لفظ «متعمِّدًا» ولا ما يؤدِّي معناه، فإن الأدلة القطعية