للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها الأمر الثابت قطعًا، وكلمة {يُغْنِي} معناها «يدفع» كما حكاه البغويّ في «تفسيره» (١)، وقد يعبر عنها بقولهم: «يصرف» ونحوه. راجع «لسان العرب» (٣٧٦: ١٩) (٢). ومنها في القرآن قوله تعالى: {وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات: ٣١] وقوله سبحانه: {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [إبراهيم: ٢١]. وفي آية أخرى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} [غافر: ٤٧] وهذا سياق الآية الأولى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٣١) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: ٣١ - ٣٢] [ص ١٧٧] فالكلام في محاجَّة المتخذين مع الله إلهًا آخر، وكلمة «الحق» في قوله: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ} مراد بها الأمر الثابت قطعًا، ومنه: أنَّه لا إله إلا الله. ثم ساق الكلام في تقريرهم إلى أن قال: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} فالحقُّ هنا هو الأمر الثابت قطعًا كما مرَّ، والمعنى: إن الظن لا يدفع شيئًا من الحق الثابت قطعًا، وعلى تعبير أهل الأصول: الظنُّ لا يعارض القطع.

والآية الثانية في سياق محاجَّة المشركين القائلين: الملائكة بنات الله، ويسمونهم بأسماء الإناث ويعبدونها، قال تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا


(١) (٢/ ٣٦٢ ــ ٣٦٣).
(٢) (١٥/ ١٣٩ ــ دار صادر).