للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: ٢٣] والهدى هنا بيان الحق الثابت قطعًا، فالمعنى: أنهم يتبعون الظنَّ والهوى مُعْرِضين عما يخالفه من الحقِّ الثابت قطعًا. ثم قال تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨] أي: ليس عندهم علم فيعارض الحقَّ الثابت قطعًا، إنما عندهم ظنّ، والظنّ لا يدفع شيئًا من الحق الثابت قطعًا. أو: الظن لا يعارض القطع.

وأما الآية الثالثة فهي: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: ١٥٧] المراد: أنّ الله يخبر بأنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه، وخبره سبحانه يفيد العلم القطعيّ، وليس عند أهل الكتاب علم قطعيّ فيعارض خبرَ الله، وإنما عندهم ظنّ، والظنّ لا يعارض القطع (١).

وقال أبو ريَّة ص ٢٤٤: (ابن الصلاح ومخالفوه ... ) وساق الكلام إلى أن قال ٢٤٦: (أما المتكلمون فقد عُرِف من حالهم أنهم يردُّون كل حديث يخالف ما ذهبوا إليه ولو كان من الأمور الظنية).

أقول: أما في الأمور الظنية فالمعروف عنهم قبوله، غير أنهم لا يجزمون بمدلوله إذا كان في العقليات.

ثم قال: (فمن ذلك حديث: تحاجَّت الجنة والنار ... ، أخرجه البخاري ومسلم


(١) وانظر ما سبق (ص ١٩٢ ــ ١٩٣).