يقال بصرف النظر عن المُخبِر فهو بمعنى "مخالف للواقع" فأما "كذب" بلفظ الماضي أو "يكذب" أو "كاذب" ونحو ذلك من الكلمات التي يلاحَظ معها المخبِر، فالعُرف العامّ يخصّها بالعمد، ألا ترى أن في أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمور الدنيوية ما قيل فيه: إنه خطأ، وكلّ عاقل ينفر عن أن يقال:"كَذَب ... " أو "هو كاذب".
والسرّ في هذا ــ والله أعلم ــ أن الغالب في أفعال الإنسان العمدُ، فإذا قيل:"كذب فلان" كان الظاهر بمقتضى الغلبة أنه تعمَّد.
كما أنك إذا قلتَ:"رأيت فلانًا يشرب الخمر" كان هذا ذمًّا بيِّنًا لأن المفهوم من ذلك أنه عامد عالم.
فعلى هذا إذا كنت تعلم أنه إنما شربها وهو يجهل أنها خمر لم يكن لك إطلاق الكلمة المذكورة، بل يلزمك بيان الحقيقة كما هي. فكذلك قولك:"كذب فلان" الظاهر أنه تعمد، فمن ثَمَّ جرى العرفُ بأن لا يقال ذلك إلا عند التعمُّد.
وعلى هذا عمل الناس قديمًا وحديثًا، إلا أنه إن ظهر أن المُخبِر اعتمد على ظنٍّ لم يكن له أن يعتمد عليه، وبعبارة أخرى: أنه مقصِّر، فإنه يقال:"كذب" كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كذب أبو السنابل"(١) وغيرها من الأمثلة.
وقد نبَّه على معنى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على الأخنائي" ص ١٢ فما بعدها.