الذي يدعو له .... (١)؛ ولهذا يعتذر إلى شركائه في ص ١٤ بقوله:"وبرغمي أن أنصرف في هذا الكتاب عن النقد والتحليل، وهي الأصول التي يقوم العلم الصحيح في هذا العصر عليها".
إننا لا ننكر أصول النقد والتحليل، بل نعرف أن سلف العلماء قد عملوا بها في حدودها، وأنها قد بقيت جملة كبيرة بحاجة إلى النقد، وأن الأمة قصَّرت منذ قرون في إنجاب النقَّاد؛ لكننا نريد نُقَّادًا متبحِّرين في السُّنَّة وفي طرق النقد العلمي الذي انتهجه الأئمة، وهو يشتمل على ما يلائم هذا الموضوع مما يسميه العصريون:"أصول النقد التحليلي" فيربطون جهودهم بجهود أسلافهم.
نريد نُقَّادًا يؤمنون بأن القرآن كلام الله لا يأتيه الباطل [ص ٢] من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. حتى إذا جاءهم من السُّنَّة ما يعرفون نظيره في القرآن لم يستنكروه.
وأبو ريَّة وأصحابه يأبون هذا، وقد تضمَّن كتابه هذا تشكيكًا في أحاديث من جهاتٍ في القرآن ما هو مثلها أو أبعد عن عقل أبي ريَّة منها. فلا أدري أيجري على أصله فينتقد القرآن أيضًا فيأخذ منه ويرُدّ؟ إذا ردّ شيئًا منه فقد ردَّه كلَّه، وإن اضطرّ في كتابه هذا إلى ترك التصريح بذلك. أم يكتفي بما مَهَده له أسلافه من أهل البدع، كما صرّح به في أواخر كتابه:(أن النصوص اللفظية لا تفيد اليقين)، ثم يسلك مسلك التأويل، وإن كان كما قال ص ٢٤٧:(بحيث يعلم السامع أن المتكلم لا يقول بجوازه في الباطن). أم ينحو منحى شيخه ابن سينا الذي صرَّح به في "الرسالة الأضحوية".