إن الذي يتأهل لنقد الحديث لابدّ أن يكون عارفًا بطبيعة الدين، عارفًا بالقرآن، عارفًا بحال الذين خُوطبوا به أولًا وبطريق فهمهم، عارفًا بأحوال الرواة معرفةً صحيحة، عارفًا بعاداتهم في الرواية وما يَعْرِض لهم فيها، محيطًا بأكثر ما رُوي من الحديث مرفوعًا وموقوفًا ومقطوعًا ومتصلًا وغير ذلك، جيّد الفهم بريئًا من الهوى.
فإن لم يكن كذلك فلا مناص له من الاعتماد على أئمة الحديث، وعليه مع ذلك أن يعرف حالهم وعادةَ كلٍّ منهم في الجرح والتعديل، واصطلاحهم الخاص في ألفاظهم.
ودعوى أن أصول النقد لا تتطلَّب هذا كله مقبولة إذا كان المقصود من النقد هو التهويش وتشكيك الجهال، وترويج الأهواء! فأما إذا كان المقصود منه تحرّي الحقيقة فلا.
فأما أبو ريَّة فنصيحتي له أن يتدبّر القرآن متخلّيًا عن كلام المفسرين متقدّمين أو متأخرين، مع استحضار حال الذين خُوطبوا أوّلًا وطريق فهمهم، فإذا وجد كثيرًا من القرآن تنفر عنه نفسه ويضيق به تسليمه فليكن شجاعًا ....... (١) للوقت ليجرّد قلمه في نقد القرآن.
وإن وجد نفسه مؤمنًا مطمئنًّا بكل ما في القرآن بغير تحريف ولا تأويل مستَكْرَه، فحينئذٍ يلتفت إلى الحديث. أمّا أن يدَّعي الآن أنه قد تدبّر القرآن وآمن به كل الإيمان؛ فهذه دعوى يعلم هو نفسه أنها كاذبة، وكتابه هذا أصدق شاهدٍ عليه.