ضعف الاثنين، لو حصل له علمٌ كهذا بأنه إن لم يُسلم خُلِّد في نار جهنَّم لأسلم رغمًا عن هواه. وليس المقصود من الدين إرغام الناس على الحق، إنما مقصوده ابتلاء ما في نفوسهم من الحبّ للحق أو الحبّ للباطل.
وأنت ترى دلالات القرآن كثير منها ليست بقاهرة، ومِنَ الحكمة في ذلك: الابتلاء، فالمحبّ للحق تكفيه الدلالة الظاهرة، والمحبّ للباطل يتأوَّل ويتعلّل.
وحكمة أخرى، وهي: أن يجاهد المسلم في سبيل فَهْم المعنى الصحيح، ويجاهد نفسَه في حملها على الدلالة الظاهرة.
وكلّما كان الجهاد أشقّ كان الفوز في الامتحان أبْيَن وكانت العبادة وثوابها أعظم.
وليس المقصود هنا أنه لا يُشْتَرط في الإيمان الإيقان، وإنما المقصود أنه يكفي في قيام الحجّة الظهور البيِّن، فمَن قَبِل فقد فاز في الابتلاء، ثم إن حافظ على ذلك فهو في طريقه إلى الإيمان؛ قال الله تبارك وتعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد: ١٧]، ومَن أبَى فقد سقط في الامتحان، ثم إن استمرَّ على عناده استحقّ الوبال؛ قال الله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ (١) كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: ١١٠].
فهكذا عدم الأمر بكتابة الحديث قُصِد منه ابتلاءُ الناس بحفظه، وابتلاؤهم في أدائه على وجهه، وابتلاؤهم في تمييز صحيحه من سقيمه، وابتلاؤهم في اتباعه عند ظهور دلالته وإن لم تكن قاهرة، إلى غير ذلك.
(١) في الأصل: "كذلك نقلب أفئدتهم وأهوائهم". سبق قلم.