من الدين العام. فتبيَّن سقوط علّتك، وإنما العلّة الصحيحة: أن ألفاظ القرآن مقصودة لذاتها قصدًا مؤكدًا؛ لأنه كلام الله عزَّ وجلَّ، متعبد بتلاوته كما أُنزل، ولألفاظه السهم الأوفر من إعجازه، وهو من العظمة بأعلى الدرجات.
والأحاديث ليست مثله فيما ذُكِر، بل هناك ما يقتضي أن لا يؤمر بكتابتها، وذلك أمران:
الأول: المشقّة لقلّة الكُتَّاب وقلة ما يُكْتَب فيه.
الثاني ــ وهو الأعظم ــ: ما يقتضيه أصل الابتلاء الذي مرّت الإشارة إليه، وهو الأصل الذي بُنيت عليه هذه النشأة الدنيا. ومن أحبّ التبصّر فيه فليراجع الآيات القرآنية التي فيها ذكر البلاء أو الابتلاء، وهي كثيرة. ولأجل هذا الأصل جعل الله عزَّ وجلَّ أكثر حُجج الحقّ بيِّنةً واضحةً لمن يحبّ الحقَّ ويحرص عليه ويؤثره على الهوى بجميع أنواعه؛ غيرَ ظاهرةٍ لمن يحبّ الباطل ويحرص عليه ويؤثره.
وبيانُ ذلك: أنه معروف مشاهَد أن من يحبّ شيئًا ويحرص عليه ويؤثره على كلِّ ما سواه يكفيه في اختياره لأمر من الأمور أن يغلب على ظنّه أنه محصِّل لمحبوبه. [ص ٧] هذا أمر معلوم يقينًا، حتى لو أن إنسانًا ادَّعى أنه يحبّ أمرًا حبًّا شديدًا يؤثره على كل شيء ثم عُرض عليه عملٌ يغلب على ظنّه أنه محصِّل لذلك الأمر الذي ادّعى حبَّه فلم يلتفت إليه= عَلِمْنا كذب دعواه. وقد نصّ القرآن على هلاك أقوام مع وصفه لهم بأنهم مرتابون.
أمَّا لو كانت حُجج الحقّ قاهرة لا يمكن أحدًا أن يرتاب فيها= لكان إيمانه بها إيمان مُلْجَأٍ. فلو حصل لأكفر الناس علمٌ قاهر كعلمه بأن الأربعة