قد اتضح مما تقدَّم أن الفرق بين القرآن إذا أُمِر بكتابته وبين غيره هو أن ألفاظ القرآن مقصودة لذاتها دون الأحاديث، فهي مقصودة القصد الأعظم لمعانيها. ودلائل ذلك أكثر من هذا؛ فإن الإسلام دين الفطرة، والفطرة تقضي على مَن سمع كلامًا مرّة واحدَة أن لا يُكلَّف عند تبليغه بالمحافظة على لفظه. ألا ترى أن أكثر ما يرسل الإنسان رسولًا أو مندوبًا، ويقول له: قل كيتَ وكيتَ، ويذكر له كلامًا، فالغالب أنه إنما يريد منه أداء معناه. وإذا أدَّى معناه فهو صادق حتمًا.
وقد ذكر الله عزَّ وجلَّ في كتابه كثيرًا من الكلام ينسبه إلى الناس، ومنه ما يطول فيبلغ ثلاث آيات أو أكثر. ولا ريب أن تلك الألفاظ وتلك العبارات من القرآن لها فخامته وإعجازه، فثبتَ بذلك أنها كلام الله تعالى، وأن نسبتها إلى مَن نُسِبَت إليه مِن المخلوقين إنما حاصله أنهم قالوا ما يؤدِّي ذاك المعنى.
فأما ما في القرآن مما هو في معنى الترجمة عن غير العربية إليها فكثير جدًّا. نعم، إن الرواية بالمعنى مظنّة الخطأ في الجملة، ولكن هذا أيضًا من مقتضى أصل الابتلاء؛ ليتبين مَن يبالغ في الحرص على الوفاء بالمعنى مِمَّن يقصّر، ويكون للعلماء مجال للبحث والنظر واستخراج الخطأ، وبقَدْرِ ما يجِدّون في ذلك مخلصين واقفين على السراط المستقيم يكون فوزهم وثوابهم.
أما تمنِّي بعض الناس أن تكون الأحاديث كُتِبَت أو أنَّها رُويت بألفاظها،