فهذا [ص ٩] من جنس تمنِّي أن يكون الله تعالى جعل القرآن مشتملًا على جميع مقاصد الدين بالدلالات القاطعة، وتمنِّي أن لا يكون في القرآن متشابه، وأن لا يكون فيه الآيات التي يتشبّث بها الزائغون، إلى غير ذلك.
وهذه غفلة عن حِكْمة أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى. إن حكمته سبحانه وتعالى شاملة لكلِّ شيء، حتّى وَضْع الوضَّاعين وكذِب الكاذبين، لله عزَّ وجلَّ حكمة بالغة في تمكينهم منه، ففي ذلك بروز ما في نفوسهم من حبّ الباطل، وبذلك تتم عليهم الحجّة، وفي ذلك ابتلاء للناس وفتح مجال لاجتهاد أهل العلم وجهادهم، وقد قال الله عزَّ وجلَّ في بيان مصداقه: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (١٤١) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢)} إلى قوله: {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} إلى أن قال: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٥٤)} [آل عمران: ١٣٩ ــ ١٥٤].