للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: كلامنا إنما هو في ظنٍّ يستند إلى نقلٍ أو ما يقرُب منه؛ فإن هذا هو الذي قد يصلح عذرًا لهم ويمكنهم به المدافعة بأن يقولوا: هذا من دين إبراهيم فكيف تنكره؟ فالنقل أن يخبرهم آباؤهم عن آبائهم عن آبائهم وهكذا إلى إسماعيل، والذي يقرب منه أن يكون مضى عليه أسلافهم، وهم ــ أعني الأسلاف ــ حريصون على المحافظة على شريعة إبراهيم والوقوف عند حدودها، فيقول الأخلاف: كان أسلافنا يتدينون بهذا وقد عرفنا مِنْ أحوالهم ما جَعَلَنا نثق بأنهم لا يتدينون إلا بما ثبت عندهم أنه من شريعة إبراهيم.

فهذا الذي نفيناه، فلم يكن عند القوم بمقالتهم في الملائكة نقلٌ ولا كانوا واثقين بأسلافهم، بل كانوا يعلمون أن الأسلاف بدَّلوا وغَيَّروا وزادوا ونقصوا بمحض التخرُّص.

فأما ظنٌّ يستند إلى شبهة غير ما ذكر بأن تكون عندهم شبهة عقلية فيذكرونها ثم يقولون: ثبت أن هذا حقٌّ فهو من دين إبراهيم= فلم ننفِه، على أنه في هذه المقالة لم يكن عندهم إلا قولهم: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف: ٢٨] وهم أنفسهم يعلمون وَهَنَ هذه الشبهة بل بطلانَها؛ لأنهم يعلمون أن آباءهم لم يكونوا معصومين، بل كانوا يتقوَّلون بالخرص والرجم بالغيب. ويحتمل أن تكون لهم شبهة أخرى واهية أيضًا سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.

فإن قلت: قد يمكن في بعض تلك المحدثات أن يخفى حاله عليهم فيحسبونه من شريعة إبراهيم, ولكن لما نبههم الإسلام وقرَّعهم تفكروا فتبين لهم أن حسبانهم لم يكن عن دليل، فذاك الذي كَفَّهم عن المعارضة.

قلت: إن هذا لمحتمل؛ فإن بَعُدَ أن يخفى بعضُها عليهم جميعًا لم يَبْعُدْ