للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يخفى على بعضهم، بل إذا نظرنا إلى العادة كِدْنا نقطع بأنه لا بدَّ أن يخفى بعضها على بعضهم. والله أعلم.

وأما الضرب الثاني فلم أجد له مثالًا صريحًا، ولكن لا بدَّ من ثبوته في الجملة بأن يكون بعضهم كان يشك في بعض تلك المحدثات أمن شريعة إبراهيم هي أم محدثة؟

وأما الضرب الثالث: فمن أمثلته الصريحة: الاستقسام بالأزلام، ففي صحيح البخاريِّ [ز ٢١] من حديث ابن عبَّاسٍ: قال: إن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لما قدم أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "قاتلهم الله، أَمَ (١) والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط" (٢).

ومن هذا الضرب فيما يظهر: نصب الأوثان واتخاذها آلهة وعبادتها، فإن إحداث عمرو بن لحي لذلك واقعةٌ أكبر وأظهر من إحداث الأزلام فعلمهم بها أولى، وكان العرب معروفين بحفظ الوقائع وتناقلها إلى مئات السنين، وقد اتَّصل بعض أخبارهم في إحداث الأصنام بمؤرخي الإسلام كما سنذكره فيما يأتي، وكذلك اتَّصل بهم شيءٌ من أخبار عمرو بن لحيٍّ،


(١) أصلها: "أمَا" وهي كلمةٌ لافتتاح الكلام، وقيل: هي بمعنى "حقًّا"، وحُذِفت ألفها للتخفيف. انظر: عمدة القاري ٩/ ٣٥٥. وأُثْبِتَت الألف في بعض روايات البخاري. انظر: فتح الباري ٣/ ٣٠٥.
(٢) صحيح البخاريِّ، كتاب الحجِّ، باب مَن كَبَّر في نواحي الكعبة، ٢/ ١٥٠، ح ١٦٠١. [المؤلف]