للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: والحديث ــ على ما فيه ــ يعارض بظاهره الحديثَ الثابت: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية" (١).

لكن قد جمع بينهما العلماء بما حاصله ــ محرَّرًا ــ: أن الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام له علتان:

الأولى: قلة المسلمين في دار الإسلام، وحاجتهم إلى كثرة السواد.

الثانية: خوف الفتنة.

وكلتا العلتين انتفتا في حق أهل مكة بعد الفتح؛ لأن مكة صارت دار إسلام، وكثر المسلمون بالمدينة، ثم لم يزل المسلمون في كثرة والحمد لله.

فلم يبق إلا العلة الثانية في حق من كان مسلمًا بدار كفر، فإذا كان لا يتمكن من إظهار دينه، وأداء ما يجب عليه، أو يخاف الفتنة، فعليه الهجرة. والله أعلم.

وفي "فتح الباري" (٢) في باب هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه: "أن الإسماعيلي أخرج عن ابن عمر قال: "انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار".

أقول: وهذا أوضح في الجمع، فإن الله عز وجل لما فرض الهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم جعل لذلك فضلًا خاصًّا ومزية خاصة،


(١) أخرجه البخاري رقم (١٥٨٧)، ومسلم (١٣٥٣) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢) (٧/ ٢٧٠).