للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعبد الله بن محمَّدٍ هذا ضعيف جدًّا، وقد تقدَّم في حديث سعيد بن زيد قوله: "فما رُئِيَ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك" (١).

وذكر الحافظ في الفتح (٢) تأويلاتٍ لم يَقْنَعْ بها، ثم قال: "قوله: ذبحنا شاة على بعض الأنصاب يعني الحجارة التي ليست بأصنام ولا معبودة، وإنما هي من آلات الجزَّار التي يذبح عليها؛ لأن النصب في الأصل حجر كبير، فمنها ما يكون عندهم من جملة الأصنام فيذبحون له وعلى اسمه، ومنها ما لا يُعبد، بل يكون من آلات الذبح ... ".

أقول: لا أراك تقنع بهذا، ولا بما حكاه ابن الأثير في النهاية (٣) عن إبراهيم الحربي، فالصواب إن شاء الله تعالى أنَّ الأنصاب كانت عندهم غير الأصنام، فكانت الأصنام تعظَّم بوجوه مختلفة، كالعكوف عندها والتمسُّح بها وغير ذلك، وأما الأنصاب فكانت مختصَّة بالذبح عليها، ولعلهم لم يكونوا يطلقون على الذبح عليها أنه عبادة لها، ولما كان الأمر كذلك وكان معروفًا من شريعة إبراهيم عليه السلام تحريم الحرم واحترامه في الجملة، وكانت تلك الأنصاب من جملة حجارة الحرم، كان ذلك مظنَّة أن يحسب الناشئ فيهم أنه من بقايا شريعة إبراهيم عليه السلام، فإذا ذبح عليها بهذه النية وهو مع ذلك حريص على اتِّباع شريعة إبراهيم والوقوف عندها واجتناب ما بان له أنه ليس منها كان معذورًا إن لم نقل مأجورًا.


(١) انظر: ص ١٠٦.
(٢) ٧/ ١٤٤ ط. دار المعرفة.
(٣) ٥/ ٦٠ - ٦١.