للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخي: ما شأنك؟ قال: نهيت أن أمشي عريانًا" (١).

فبان بهذا أنه لم يكن هناك إلا هو وعَمُّه وهما على عزم أن يستترا إذا دَنَوَا من الناس، فكأنه لم يكن معروفًا عندهم من شريعة إبراهيم تحريم كشف العورة عند الحاجة إذا لم يكن هناك إلا الأب أو العم أو نحوهما، ومع ذلك أدَّب الله تعالى رسوله فمنعه من ذلك.

وفي الصحيحين وغيرهما في حديث بدء الوحي: "ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه ــ وهو التعبد الليالي ذوات العدد ــ قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها" (٢).

قال الحافظ في الفتح: "قوله: "فيتحنَّث"، هي بمعنى يتحنَّف، أي: يتَّبع الحنيفيَّة، وهي دين إبراهيم، والفاء تبدل ثاءً (٣) في كثيرٍ من كلامهم، وقد روي في رواية ابن هشامٍ في السيرة: يتحنَّف بالفاء؛ أو التحنُّث: إلقاء الحنث، وهو الإثم، كما قيل: يتأثَّم ويتحرُّج ونحوهما".

ولفظ البخاري في التفسير " ... فيتحنَّث فيه، قال: والتحنُّث: التعبُّد". استظهر الحافظ في الفتح أن هذا من تفسير عروة أو الزهريِّ، ثم قال: "ولم يأت التصريح بصفة تعبُّده, لكن في رواية عبيد بن عميرٍ عند ابن إسحاق: فيطعم من يرد عليه من المساكين. وجاء عن بعض المشايخ أنه كان


(١) أخرجه ابن إسحاق (٧٩)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٣٥٤)، والبزار (١٢٩٥) وغيرهم بإسناد ضعيف، وأصل القصة ثابت صحيح كما تقدم.
(٢) صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب ١، ١/ ٧، ح ٣. وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي، ١/ ٩٧، ح ١٦٠.
(٣) في الأصل: "فاء"، سبق قلم.